بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 يناير 2012

صرخة البدون

يحتار المواطن الكويتي البسيط على ما يحدث في الساحة المحلية، وتعاطيها مع قضية البدون. أصبح المواطن محتار بين تصريحات الداخلية البوليسية وبين ضحايا انسانية، والتي لم تسلم منها النساء والأطفال. يعتقد بعض المواطنين أن البدون ليس لهم الحق في عمل المظاهرات خاصة بعد تصريح وزير الداخلية الأخير، والذي صرح بقوله "البدون قضيتي حتى ينال كل من يستحق الجنسية". وأن مظاهراتهم ما هي إلا خطوات تأزيمية تتماشى مع التوتر الذي يحدث بالدول المجاورة، وأنها أصبحت أرض خصبة ليستغلها الساسة ليبرزوا دورهم وكسب الشعبية على مصلحة هذه الفئة المسكينة.

ويعتقد البعض الآخر أن هذه القضية امتلئت بالشوك والعوائق بسبب تركها من غير حل لأكثر من خمسين عام. وأنها لم تعد تحتمل هذه التصريحات الرنانة المخدرة، بل تحتاج لخطوات عملية عاجلة لتسوية هذه القضية وطوي صفحاتها وذلك عن طريق المطالبات المستمرة والمظاهرات. والواقع على ما شهدناه من أحداث مؤسفة من اعتداء على الشباب والمساجد، وضرب وسحل النساء في يوم الجمعة الأسود، يعتبر أننا أمام انتهاك إنساني خطير مهما كانت مبررات الداخلية. ويتحمل هذا الانتهاك التعامل السيء من الداخلية كما يتحمله المحرضون على قيام هذه المظاهرات الغير آبين بكرامة وسلامة الأبرياء.

أعتقد أن التناحر المتراكم بين الحكومة والمعارضة هي أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم مشكلة البدون، وطالما شاهدنا ذلك من مساومات على هذه القضية طوال السنين الماضية، فتارة يكسب عضو بتجنيس مقربيه وتارة تكسب الحكومة مؤيدين ،وفي كل الأحوال نلمس القتل البطيء لأبرياء يئسوا من استنشاق رائحة الكرامة والعدل والحرية.

في أحد المجتمعات الغربية الغير مسلمة، ذهب شخصان إلى مطعم ليستمتعان بشرب القهوة، فعزم أحدهما أن يدفع الحساب ولما جاء الجرسون فطلب منه فنجانان من القهوة وفنجان قهوة ثالث على الحائط. فقدم الجرسون فنجانان للقهوة لهما وسجل ورقة عن القهوة الثالثة وعلقها على الحائط. وفي فترة أخرى جاء رجل بمفرده إلى نفس المطعم وطلب من الجرسون أن يحضر له وجبة عشاء ويترك وجبة عشاء أخرى على الحائط، فقام الجرسون بإحضار وجبة العشاء للرجل كما أنه سجل ورقة عن وجبة عشاء ثانية وعلقها على الحائط بجانب الورقة الأولى. فأخذ هذا المشهد يتكرر في هذا المطعم بتعليق أوراق على الحائط. وفي أحيان أخرى يأتي إلى نفس المطعم شخص يبدو من مظهره الفقر والحاجة ويكون مشتهي وجبة عشاء مع فنجان من القهوة، فيطلبها من الجرسون عن طريق الأوراق المعلقة على الحائط فيلبي الجرسون طلبه ويقدمها له مجانا ما دام أنها متوفرة على الحائط، وقد دفعها أشخاص لا يعرفهم ولكنهم أحبوا أن يسدوا حاجة إخوانهم المحتاجين في منطقتهم.

من هذه القصة الجميلة نستخلص الكثير من العبر المليئة بالقيم الإنسانية الإسلامية النبيلة التي حثنا عليها ديننا الإسلام ونرى قوم غير مسلمين يقدمون أروع الأمثلة في تنفيذها في زمان نكاد نحن المسلمين نبتعد عنها. هنا نجد كيف اتخذوا ابناء هذه المنطقة من خطوات عملية في مساعدة أبناء جلدتهم من غير منٍّ أو أذى أو مصلحة سياسية أو شعبية.

أعتقد أن أفضل طريقة لنصرة إخواننا البدون ليس بواسطة المظاهرات وتأجيج الشارع، بل بواسطة إنشاء جمعية كويتية تختص بإعانة شئون البدون الحياتية. ولا يقتصر دور هذه الجمعية في المساعدات الاجتماعية، بل توفر لهم أيضا الاستشارات القانونية ومتابعة مطالباتهم في الجنسية والوظائف وغير ذلك. عندما تكون هذه الجمعية شعبية خارج نطاق الحكومة ستكون أكثر حيادية وإنتاجية في رفع الظلم عن هذه الفئة وتنصف من يستحق الجنسية وتحسن في توجيه من لا يستحقها.

ليست هناك تعليقات: