بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 يناير 2010

الحق على البيتزا لا تبرد

حدث انفجار عنيف ومأساوي في مبنى للحكومة الفيدرالي في ولاية أوكلاهوما في الولايات المتحدة الأمريكية في ابريل 1995. وخلف هذا الانفجار الكثير من الضحايا والمصابين. والذي زاد من مأساة الحادث هو عدم معرفة مرتكب الجريمة لفترة طويلة. وقدر الله أن يقبض على المجرم في موقف قريب من الصدفة. بعد أكثر من عام أشتبه شرطي المرور بسيارة من غير لوحة وتسير بسرعة كبيرة مما حدا للشرطي أن يلاحقه ويستوقفه.

وكما هو معروف في الدول الغربية أنهم استحكموا تطبيق القانون مما جعل الشعب لهذه الدول محب للقانون لتطبيقه على الجميع ويوفر لهم الأمان والحرية ولذلك معظم الشعب ملتزم بالقانون وبالتالي يكون الأشخاص الذين يتجاوزون القانون من سرعة وغيره يضعون أنفسهم في دائرة السلوك الإجرامي، وهذا ما فعله الشرطي مع صاحب السيارة فتعامل معه بكل حذر وجدية. فقام بتفتيش السيارة كما قام بإبلاغ المركز عنه واشتبه بمواد غريبة في السيارة وتم حجزه إلى أن توصلوا إلى أدلة تثبت تورطه بالجريمة البشعة. الفضل يعود لله ثم إلى السلوك المتهور في قيادة السيارة التي كشفت عن المتهم الحقيقي.

وفي حادثة أخرى حدثت في الكويت قبل فترة أن أحد المواطنين تعرض إلى عطل في إحدى العجلات (البنشر) في الطريق السريع فاضطر للوقوف في الحارة اليمنى الأمان لإصلاح العطل. وفوجئ بسيارة مسرعة فاقت جميع السيارات في هذا الطريق السريع فلم يجد لنفسه مجال لسيارته إلا حارة الأمان فاصطدم بذلك المواطن الذي تعطلت به السيارة وكان حادثا مؤسفا له. لم يمت ولكنه اضطر أن يستعين بأقدام صناعية والشخص الذي تسبب بالحادث لم يحدث له شي. ومع مرور الأيام سأل أحد المقربين لذلك المواطن عن سبب قيادته بهذه السرعة الكبيرة فأجاب أن والدته هاتفته ليأتي للعشاء 'ويلحق على البيتزا حتى لا تبرد' فنجد هذا الشاب تجاوز القانون ليس لأنه مجرم ولكن لأن تجاوز القانون في هذا البلد صار ظاهرة يرتكبها الكبير قبل الصغير وصاحب سلطة قبل المواطن العادي والمتدين قبل الغير متدين.

فكم من نفس توفت وكم من شخص أعيق وكم من فرحة أصبحت حزن وأسى بسبب قيادة متهورة. فشتان بين الحادثتين السابقتين فنحن في بلد ينعم بشعب مسالم تسوده الأخلاق الحميدة والعادات الطيبة من حسن الخلق والكرم والوفاء بالوعد والعهد وعززت هذه الأخلاق بتعاليم ديننا الحنيف وهذه أمور جوهرية يملكها شعبنا الكويتي تفوق كثيرا عن كل المجتمعات الغربية ولكن تساؤلنا عن ما هي أسباب وجود هذه الظاهرة من تجاوز القانون في بلدنا؟ قد تكون هناك أسباب كثيرة في انتشار هذه الظاهرة في بلدنا، ولكنني سأطرق بعض الأبواب لأترك لها رسالة لعل الله ينفعنا فيها.

الباب الأول وهي الحكومة المتمثلة بوزارة الداخلية التي لسان حالها يقول ' وضعنا الكاميرات ورصدنا المخالفات وجمعنا الأموال التي تصل بالملايين سنويا وبذلك أدينا ما علينا'. في وجهة نظري أن حكومة بلدنا طيبة أكثر من اللازم لأنها لا تريد أن تحرج نفسها مع المخالفين مباشرة لتسجيل المخالفة وتركتها للكاميرات حتى يكون الوجه للوجه أبيض. وبالتالي المخالف يأتي بعد سنة أو سنتين عندما يتم تحصيل المخالفة ليدفعها مهما كان قيمتها. هنا أعتقد أن الجميع يتفق معي أن العقوبة أن أتت بعد المخالفة مباشرة فقد أدت غرضها والاعتبار من الخطأ حتى لا يتكرر، ولكن إن جاءت العقوبة بعد سنة أو سنتين فما حققت هدفها للمخالف وقد لا يشعر بذنبه ولا اعتبر من هذا الجرم.

 زارة الداخلية تستطيع أن تفعل الكثير أفضل مما أفكر فيه ولكن ذلك يتطلب منها أن تطبق القانون على الجميع وبآلية حديثة تؤدي إلى جعل المواطنين يصلون لقناعة الرضوخ بالرضا لإتباع قوانين المرور. فأطلب من وزارة الداخلية إعادة النظر بعدة أمور أولها آلية الحصول على رخصة المرور سواء للمواطن أو الوافد لوجود بعض السلبيات يطيل ذكرها هنا، ثانيا الاهتمام بجدية في إجراءات الفحص الفني اللازم للمركبات كما أود أن تكون هناك آلية لتحصيل المخالفة بشكل سريع وإجراء تحقيق مباشر حتى يشعر المخالف بجرمه والاتعاظ منها كما يحدث في الدول المتقدمة. كثير من الأحيان أشعر أن وزارة الداخلية سعيدة جدا لما تعلن عن تحصيلها للمخالفات الكثيرة من مبالغ أكثر من حزنها على الأرواح التي تذهب جراء هذه الحوادث، فهل يظنون أن مبالغ الملايين من المخالفات تفوق قيمة روح شخص واحد بسبب هذا التقصير؟ 'كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته'.

 الباب الآخر الذي أود طرقه هو المجتمع والأسرة ويشملني أنا وأنت عزيزي القارئ. فعلينا مسئولية غرس مبادئ الاعتدال في القيادة لأهلنا وأبناءنا وتذكير أنفسنا وأهلنا والجميع أن القيادة فن وذوق. والباب الأخير سيكون لوزارة التربية والتعليم لتكثف رسالتها التعليمية التوجيهية تجاه هذه الممارسات. يجب على التعليم ألا يقتصر على المواد العلمية التقليدية التي لم تتغير منذ عقود. أعتقد أننا بحاجة لتطعيمه بمواد تعليمية مصاحبة لتغطي أمورا استحدثت في عصرنا الحالي لتعالج أو بالأصح لتطعم أبناءنا بأساليب علمية حديثة ونصائح سواء كانت عن القيادة أو غيرها بما تراه مناسب حتى يستوعبها الطالب عندما يكبر بشكل سريع، ويمارس حياته بالأسلوب الصحيح.

ليست هناك تعليقات: